شادي عبد الله
في البداية فكرة الشغل في المنيا مخطرتش في بالي، ولا كنت اسمع عن مركز “ملاوي” ولا قرية “البرشا”. لحد ما سمعت من دعاء زميلتي في مجموعة اختيار، إنها بتشتغل في قرية اسمها البرشا وإنها شافت تصميمات “جرافيتي حريمي” على حيطان البرشا؛ ده مشروع جرافيتي كنت بشتغل فيه ففرحت قوي، وبعد ما كلمتني أكتر عن الشغل هناك، اقترحت عليا أروح معاها أقابل فريق المسرح فوافقت وروحت. لما وصلت كان المكان جديد عليا تمامًا وناس كتيرة معرفش حد فيهم، كان في ترحاب شديد وابتسامات كتيرة وتفحص شديد مني للمكان ومن الناس ليا. قضيت يوم لطيف هناك في التعرف على المكان ويوستينا المديرة وبعدين اتفرجنا على اسكتشات مسرح من عروض سابقة للبنات في البلد وكانت جميلة جدًا.
بعد رجوعنا بفترة دعاء طلبت مني أعمل ورشة عن تقنيات المسرح معاهم. والموضوع فعلًا ماكنش سهل، الورشة طبيعتها مختلفة عن كل الورش اللي اشتغلت فيها قبل كده. مافيش نظام بالشكل اللي متعود عليه والمكان ضيق جدًا مقارنة بالعدد الكبير اللي كان موجود… ردود الأفعال على معظم التدريبات مختلفة، زي إن كتير من التدريبات اللي متعودين عليها في القاهرة كانوا المشاركين بيستغربوها وبيضحكوا عليها وكان في مقاومة شديدة إنهم ياخدوها بجد أو يركزوا فيها، بس على قد ما أقدر بدأت أعدل في التمرينات وأضيفلها عناصر جديدة تشدهم وتحمسهم، بعد أسبوع رجعت القاهرة بتجربة لطيفة لعبنا فيها وانبسطنا.
بعد مرور حوالي سنة، اقترحت يوستينا ودعاء إني أرجع اشتغل على ورشة وعرض أكبر ففكرت في أول حاجة بعرف أعملها وهي عرض حكي وبعدين لقيت الموضوع مش هينفع؛ إزاي أطلب من البنات في البرشا إنهم يحكوا قصصهم الخاصة على راحتهم وكل الورشة قرايب وجيران -الباب في الباب- وكمان العرض هيكون في القرية اللي عايشين فيها .. فكان لازم نفكر في حل تاني غير اللي أنا متعود عليه.
طلبت من منة (مخرجة وسينارست ومن ضمن فريق اختيار) إنها تشتغل معاهم على كتابة نص من قصصهم الشخصية وبعد الشغل معاهم قررنا إن النص ده هيكون عن مكان خيالي مش موجود في الحقيقة ونقلب الموضوع فنتازيا ونلعب بيه شوية بس بشكل هادي عشان يكون قريب من الناس. بدأت أروح البرشا وأقعد فترات أطول عشان التدريبات وقررت أقعد في البرشا وفي الجمعية تحديدًا عشان أكسر فكرة إني مدرب جاي من الفندق اللي في المنيا يقعد كام ساعة ويمشي والقرار ده سمحلي أقضي وقت ولو قليل برا مساحة الورشة مع المشاركيين/ات وإني اتمشى في البلد براحتي وأتعرف على المكان، ده فعلًا ساعدنا نقرب لبعض وإني أفهم طبيعة المكان أكتر.
وقت بروفة العرض اتمشينا من القرية لمكان العرض واللي كان في مركز شباب، البنات مش متعودة خالص إنها تدخله وحتى في الطريق إليه كان كل الناس بتتفرج علينا وبتحاول تعرف إحنا رايحين نعمل إيه هناك، بس دخلنا في وسط ولاد كتير بتلعب كورة في المركز واللي أول ما شافونا جريوا علينا من الفضول بسبب وجود البنات، لولا تواجد المسئولين عن المكان ومنعهم أنهم يقربوا قوي مننا، مش عارف الفضول كان هيوصل لفين.
محاولة إنك تعمل بروفة قبل العرض وفي تجمهر حوالينا من الولاد والمسئولين عن المركز، الشباب وزعقيهم في العيال وطبعا القلق طول الوقت ده، كان مانعنا نركز أو نفكر، تاني يوم كان في بعض المشاكل التقنية من بداية اليوم وأخدت مجهود رهيب، على الظهر بدأ ظهور الأولاد والشباب اللي متعودين ييجوا مركز الشباب، لكن المرة دي جزء من فريق العمل من مجموعة “اختيار” ومن “مصر للتنمية” اللي كانوا موجودين وقتها قدروا يخلوا الولاد تساعد في الاستعداد للعرض، زي مثلًا إنهم يجيبوا طوب يثبتوا بيه خيمة العرض علشان كانت بتطير من الهوا و حصل سحر بعد اشتراكهم، وإتحول الفضول والغلاسة الرهيبة للمساعدة والاهتمام الحقيقي وفجأة عصاية الراجل بتاع مركز الشباب اللي كان بيخوف بيها العيال مبقاش ليها لازمة.
العرض اتحط فيه مجهود جبار وفكرته كانت حلوة وعجب الناس نوعًا ما بس في اختيارات كتيرة ماكنتش أفضل اختيارات، لا المكان ولا العدد ولا فرق السن ما بين الولاد والبنات كان مساعد إنه يخلق بيئة طبيعية للشغل على العرض، وكمان بسبب طول مدة العرض 30 دقيقة ولمشاكل ضعف الإنتاج … يعني إن العرض يكون بشكل المسرحية اللي بتعتمد على الحوار بشكل كبير وبيتعرض على مسرح في مكان مفتوح وجمهور على الكرسي قاعد بيتفرج على عرض بفواصل ماكنش أنسب حاجة لإنه ماكنش طبيعي، فكان دخيل إلى حد كبير على البيئة المحيطة بيه .. رجعنا وإحنا فرحانين بالتجربة وبنتريق على نفسنا في لحظات وبنفكر في معنى اللي حصل ونطلع بأيه منه.
بعد شهور شوفت الدعوة لمشروع مسرح الشارع وفكرنا إنه أنسب حاجة يساعد جمعية مصر للتنمية إنها تطور قدرتها وتحقق طموحها في المنيا وقدمنا المشروع كشراكة ما بين “اختيار” وما بين “مصر للتنمية”، كان اللي بنفكر فيه وقتها إن إزاي “مصر للتنمية” تقدر تدخل التجربة دي معانا ونتعلم منها كلنا بحيث إن الجمعية تكون قادرة تدير مشارعها في وقت لاحق بعد نهاية المشروع، ما يبقوش مجرد نشاط في مشروع لكن يكونوا هما اللي بيخططوا ليه وبينفذوه وده كان إيمان إن الواحد ماينفعش ينزل من القاهرة على المحافظات و يقولهم يعملوا إيه.
الحلم الوردي:
قدمنا على المشروع وكان هدفنا نلف 7 قرى في المنيا نشتغل على تطوير قدرات الفرق اللي فيها ونشكل عروض مسرح شارع ونخلق حراك لمسرح الشارع في القرى ونقدم تدريبات للفرق مش متاحة ليهم بسبب تمركزها في القاهرة.
كان كلام جميل ومحمس جدًا وتواصلنا مع أعضاء الفريق الفني، اللي تحمسوا للمشاركة في المشروع، وبدأت حاجة في حاجة أشتغل أكتر فيه، وأكون جزء منه وأتعامل مع احباطاته في الفترة الأولى اللي دمرت الحلم الوردي وعملت حلم تاني أكثر واقعية وأحلى يمكن من اللي كتبناه على الورق في التكييف في القاهرة.
لما نزلنا نشتغل في الورش،الموضوع كان متعب أكتر مما توقعنا في فترة الأحلام الوردية،الظروف مش أحسن حاجة في الدنيا للتدريبات، أجازات كتيرة وأوقات امتحانات بتعطل تقدمنا، ومحاولات مننا نفهم طبيعة المجموعات والتدريبات اللي بتنفع والتدريبات اللي ما بتنفعش وإزاي نشتغل معاهم ومنبقاش مجرد ناس جاية من برا تفرض عليهم رؤية معينة.
المرحلة دي كانت محبطة بالنسبالي عشان توقعاتي الوردية؛ إني هشتغل بمنتهى الحب والناس كلها مواعيدها هتبقى جميلة وظروف الورش مش هتكون مستحيلة وهنطلع عروض بسهولة وده ماكنش الواقع فاحبطت كمدرب و سألت نفسي إذا المشروع ده كان صح من الأول و لا لأ؟
وبعد فترة من الاحباطات والمشاكل غير المتوقعة، قدرت أرجع بخطة واضحة ومناسبة أكتر للبرشا، وكانت بتعتمد بشكل أساسي إني أفهم دوري كمدرب وإني أحدد أهدافي وأولوياتي. المشروع مش بس أولوياتي كشخص اختار إنه يدرب في الصعيد وده ساعدني إني أوصل لاقتناعات زي؛ إني في المشروع ده ضيف عليهم ومافيش حاجة هتغير ده، كان لازم نحتك ببعض أكتر من غير اصطناع، كان لازم اللي بنفكر فيه نقوله لبعضنا. ومع كل مرة بيكونوا مش واثقين فيا أو بيتريقوا عليا في وشي، ولما اتعصب أو لما أعمل حاجة عبيطة عشان أضحكهم ونكسر جو الجد شوية، كنت بعرف إني في الطريق الصح وإن العرض اللي هيطلع، هيطلع حقيقي ليهم لإنهم براحتهم وإني عارف أبني تواصل وشغل على أرض حقيقية مفيهاش تحميل لأي توقعات وإدعاءات.
شادي عبد الله
مدير مشروع “القطر” ومدرب به.
يونيو 20، 2016