مغازي
في الستينيات، عندما شُكل الجدل السياسي بأن (الشخصي سياسي)1، اكتسب الأمر زخمًا كبيرًا بين الحركات النسوية التي احتضنته كموقف، بسبب تصريحه القوي الذي يسلط الضوء على العلاقة بين التجارب الشخصية، والبُنى الاجتماعية والسياسية على نطاق أوسع. تم استخدام العديد من الأمثلة لتأكيد هذه الحجة خاصة فيما يُعنى بالحياة الشخصية للمرأة مثل الاعتداء الجنسي والعنف المنزلي باعتبارها قضايا سياسية وليست أحداثًا فردية ومعزولة كما قد يفترض الكثيرون. مع استمرار الموجات النسوية وتقدمها تم احتضان التعبير “الشخصي سياسي” أكثر باعتباره الموقف السياسي متعدد الجوانب الذي يشمل كل من يدافع عن العدالة.
إذا كان الشخصي سياسي إذن فمشاعرنا سياسية أيضًا، في بعض الأحيان يبدو الأمر وكأننا لا نملُك مشاعرنا بسبب المحاولات العديدة للسيطرة عليها، إعادة تشكيلها، إعادة توجيهها والتلاعب بها من قبل قوى خارجية أو ببساطة من خلال عدم قدرتنا على التعبير عنها على الإطلاق. كتبت سارة أحمد2 في ورقتها البحثية “feminist killjoy النسوية قاتلة الفرحة ” قصة يمكن لمعظمنا أن يحس بالارتباط بها، فقد صورت مشهدًا على طاولة الطعام حيث يجلس الأب دائمًا على رأس الطاولة، ويجلس الجميع في المقعد نفسه ثم يتجسد جانب السيطرة من خلال محادثات مهذبة حيث بعض الأمور مسموحٌ بقولها، وإذا قال شخصٌ ما شيئًا إشكاليًا يصبح هو المشكلة نفسه.
الأب مثل مايسترو الاوركسترا الذي يملكُ السيطرة الكاملة بواسطة إشاراته فحسب، الأب مثالٌ للبطريركية والتي هي ذاتها القوة التي تملكُ سيطرة كاملة على مشاعرنا. البكاء علامة على الضعف، على الأقل هذا ما تم نقله لنا من خلال المجتمع، يصبح الأمر مُعقدًا أكثر عندما نُجندرُ المشاعر، فلو بكى رجلٌ فهو جبان، ليس رجلًا بشكل كافٍ، ضعيف وفوق ذلك شاذ، وعندما تبكي امرأة فهي حساسة بشكل مفرط وعاطفية، وبذلك يصبحن اجتماعيا محصورات في ذلك القالب الذي يفترض أنهن غير مؤهلات للقيادة. لذلك، نحبس دموعنا لنبدو أقوياء كما أخبرونا، ولكن كيف لنا أن ندعي القوة ونحن ممزقون من الداخل.
الحب سياسي، عندما يصير شريكك/ شريكتك موضوع استنكار اجتماعي، ثقافي وديني. عندما يتم إخبارك أن حبك غير طبيعي، وأنه لا يمكن أن يدوم بالطريقة التي تريدها، عندما يُجبرُ بعض الناس على أن يحبوا آخرين، ومن ثم يتم إجبارهم أيضًا على التوافق مع المفاهيم المحددة مسبقًا لما هو طبيعي. لقد جُلبنا إلى هذا العالم لكي نحب أبوينا بغض النظر عن أي شيء، ولكن إذا قرر شخصٌ ما ألا يحبهم؟ يصبح منبوذًا. كيف لك أن لا تكون شاكرًا لهم بعد أن جلبوك إلى العالم؟ لماذا أنا مضطر أن أحب أولئك الذين لم يتركوا لي مجالًا للمناقشة وسيطروا على كل جانب من جوانب حياتي؟ بالحدة التي قد يبدو عليها الأمر ولكن لا توجد إجابة أخرى سوى أننا مبرمجين لنحبهم لأسباب اجتماعية ودينية.
الكره سياسي أيضًا، عندما تكره الرموز البطريركية وتقرر أن تعبر عن هذا الكره بأي شكل فتنسحب إلى عاصفة من النقد من قبل مؤاليهم، لأن تحليك بالجسارة الكافية للتعبير عن هذا الكره يجعلك مشكلتهم، الشوكة الحادة في جانبهم التي يتمنون زوالها. عندما تروج وسائل الإعلام لأنماط جسدية معينة طبقًا لمعايير جمالية محددة، بلوحات إعلانية في كل مكان، تحمل صورًا لأجساد بيضاء البشرة ونحيفة وقادرة جسديًا فإن هذه الصور تجعل أولئك الذين لا ينتمون لهذا النمط الجسدي يشعرون بالتخبط ويحاولون بشتي الطرق الانخراط والانتماء لهذه المعايير التي قد تحفز كراهيتم الذاتية وتجعل حياتهم مزرية. عندما نخفي أنفسنا لأنه من غير المقبول أن نتصرف بشكل مختلف عما يمليه علينا المجتمع . عندما نتظاهر بأننا شخص آخر، ونعيش كذبة وعند نقطة معينة تصير هذه الكذبة حقيقة تقريبًا لأننا عاجزون عن تقبل ذواتنا بطبيعتها الحالية وعيوبها.
مشاعرنا تتخطى ما يبدو لنا كثنائية حب وكره. فدائمًا ما يملى علينا كيف نشعر ونتصرف. كمثال، يتم توجيه النساء للابتسام في الأماكن العامة لأن المرأة المبتسمة مقبولة اجتماعيًا أكثر من العابسة، البطريركية تتحكم حتي في تعابير وجوهنا. وحقيقة يبدو وكأنه لا يوجد مفر من هذا الشكل من السيطرة علي مشاعرنا، فقد تم توجيهنا علي تقبل والالتزم بهذه القوانين الاجتماعية . من السهل أن نفترض أن لكل منا خياره ولكن في الحقيقة نحن لا نملك الخيار، لذلك من الأفضل أن نعمل جاهدين للرفض، رفض هذا النوع من التحكم، رفض أن يتم التلاعب بنا وتشكيلنا ضد رغباتنا لنتقبل الأشياء كما هي. فلا بأس أن نبتسم بمحض إرادتنا ولا بأس أيضًا بأن نكون عابسين، قابلين للعطب ولا بأس في أن نتقبل ذلك بدلًا من أن نشعر بالخزي. فمن حقي أن أبكي عندما أشعر بالرغبة في البكاء دون أن يقلل الأمر مني كإنسان، لأنه شعور يصلح كوسيلة لتكسير الصورة النمطية للبكاء والصفات السلبية التي تستتبع ذلك.
مشاعرنا المختلطة هي أدواتنا الشخصية لنتحرر من التحكم المستمر بها، هي حقنا في أن نعبر عما نُحس بحرية كبشرٍ دون الانضباط الشعوري الزائف والابتذال الاجتماعي لما هو مقبول وما ليس كذلك. لذا يصبح من المحتم علينا استعادة مشاعرنا من قبضة أي رمز أبوي يحاول التلاعب بنا وتسييسنا بالطريقة التي يريدها. حان الوقت لكي نرفض الشعور بالخزي من التعبير عن أي نوع من المشاعر، نرفض فكرة العواطف المجندرة، وأن المشاعر موجودة داخل الثنائية الجندرية وفقًا لقوانين الجندر. لأنه في النهاية تلك حياتنا وخياراتنا التي نحاول استعادتها والتعبير عنها.
1”The personal is political” شعار تبنته الموجة النسوية الثانية
2 Sara Ahmed أكاديمة نسوية بريطانية- أسترالية من أصول باكستانية ، تركز في بحثها عن تقاطعية النسوية والكويرية والعرق وما بعد الاستعمار.