كتابة: راوية صادق
الجمعة 31 مارس 2017
“إن لم تكن هي الطفولة”
في طريق العودة مع يارا، اِتفتح الكلام عن الحكي اللي عايزة أقوله في شغل الكوميكس عن الشيخوخة، وعن بحثي عن سماتها الشعورية والانفعالية (مش عارفة ليه لسه مش عايزة أتكلم عن السمات الجسدية دلوقت). أعتقد إن الانفعالات والحالة النفسية هي من الحاجات اللي بتشدني وبتدفعني للبحث عن دلالاتها في اللغة (يمكن لأن اللغة البصرية في التشكيل بالنسبة لي مش بتخص أوي الانفعالات؟)
قلتلها إني كنت فاكرة إن الحنين للطفولة دا من سمات الشيخوخة ( ما قلتلهاش عن بيت سان جون بيرس اللي لسه فاكراه لغاية دلوقت لما سمعته من صديقة في جنينة المركز الثقافي الفرنسي بالمنيرة. كان الوقت هو الوقت اللي بحبه –قبل الغروب بساعتين تقريبًا- الضوء فيه حنين والأصوات بتنافس الهدوء والسكينة، وماكانش في تقريبًا ناس)، واِتضح خلال مشاركتي في ورشتين أغلبها من الشباب ومن قراءات لستيتوسات فيسبوك إن الحنين للطفولة ما يخصنيش وحدي.
قلت كمان إني عارفة أهم سمة جسدية (مش الخارجية) وهي المشاكل الصحية. طبعًا بعضها ممكن إني أألفه، زي الاستعداد للإصابة بالبرد بشكل متكرر، البعض الآخر ممكن يكون أصعب، زي اللي من بعد السبعين، لكن بما إني لسه ما وصلتش السن دي وما بحبش أسبق الأحداث، يبقى خلينا فيما هو آني.
حكيت لها عن القلق وإني بفتكره دايمًا بكلمة angoisse ومش كلمة anxiety اللي بعتقد مالهمش بالظبط كل المرادفات في اللغتين.
في قاموس الكلمات
Anxiety: الهَمّ وَالغَمّ مَخَاوِف بَنَاتُ الصّدْر (الهمُوم) بَنَاتُ اللّيْل (الأحلام) هي Anxietié بالفرنساوي اللي أول تعريف لها فيه مشاعر الخوف، مش angoisse اللي أول تعريف لها فيه الشعور بعدم الراحة
Angoisse كَرْب اِكْتِئاب غَمّ غُصَّة قلق عصابي. يعني ممكن أقول إني بحس أكتر بالغم أو بقلق غير مصحوب دايمًا بالخوف.
النهاردة مثلًا قلت أخد الدواء ( هو مكمل غذائي الحقيقة) حبة حبة ( شيء مزعج فعلًا). كنت بخده دفعة واحدة (عدة أقراص صغيرة)، فابتديت أقلق من إنه يقف في زوري خاصة إن عندي حبل صوتي مش تمام، بيأثر على بلعي للأشياء ودا من آثار عملية شيل الفص الأيمن (أو الأيسر مش فاكرة أوي)، للغدة الدرقية.
أنا عايزة أكتب عني كست كبيرة بقالها 5 سنين عالمعاش، لإني شايفة إن الكلام عن العواجيز موضوع تقريبًا كإنه “مُحرم”، أو متغاضى عنه؛ لأنه غير محبوب (آخر مرحلة في الرحلة)، ومؤلم (أمراض وغيره) والناس عمومًا مش ناقصها مشاكل ومشكلة الشيخوخة عبء، عشان كدا المستشفيات والمصحات ودور المسنين موجودة ( بفتكر أحيانًا إعلان قديم لمصر للتأمين :”الشيخوخة ما بترعبناش”). أنا شفت أد إيه خالتي كانت حزينة إنها حتروح دور مسنين ودا الحمد لله محصلش مع أمي( بناتي بيقولوا إنهم يفضلوا يروحوا دور مسنين عشان ما يتعبوش حد معاهم). بالنسبالي فكرة عزل المسنين مزعجة ومتناقضة مع فكرة المجتمع اللي بيتكلم عن الدمج. إحنا من حوالي قرن مثلًا كنا بنعتبر كبار السن بركة.
ممكن أقول إن الشيخوخة فيها جوانب طريفة، زي إن مفيش حد بيتحرش بيا أو بيعاكسني، وإني بيتسمح لي بهفوات وتصرفات شوية غريبة باعتباري كبيرة (والحقيقة أنا بستغل الموضوع دا تمامًا).
أنا دايمًا في بالي صورة الست اللي شفتها وهي بتمر بسرعة وأنا عمري تقريبًا 23 سنة: كان شعرها أبيض وعاملاه ضفيرتين، رشيقة وخفيفة، لابسة جيبة واسعة وبلوزة (شبه طريقة كالو) ووشها كله سَكينة وهدوء. نفسي دايمًا أبقى زيها.