في نوفمبر 2017، بدأت مجموعة اختيار نقاشًا حول تخيل وجود إنترنت نسوي، كمبادرةٍ مننا للاشتباك مع النقاش باللغة العربية، انطلاقًا من سياقنا المحلي، حول ما تعنيه فكرة الإنترنت كمساحة/منصة حرة وآمنة متاحة للجميع. تأتي أهمية هذه المبادرة من فهمنا أن فضاء الإنترنت الذي نوجد فيه، ليس إلا امتدادًا وتمثيلًا للحياة على الأرض، التي تمتلئ بأشكال متعددة من العنف والتهميش والتمييز تتعرض لها النساء وذوو/ذوات الهويات الجندرية والجنسية غير النمطية؛ وهو تمييز أساسه التفرقة القائمة على أساس الجنس، أو العرق، أو الطبقة، أو الدين، وخلافه. اعتمدنا في مبادرتنا على ترجمة المبادئ النسوية للإنترنت، وكذلك عددٍ من النصوص تناقش الجنسانية، والإنترنت، والأمان الرقمي، والعنف الإلكتروني.
بتخيلنا لوجود إنترنت نسوي، وما يعنيه ذلك، طورنا محادثةً حول بناء مساحة بيننا وبين شركائنا، وذلك بجمع نساء مبرمجات، ومطورات، ومصممات، وصانعات محتوى في هاكاثون نسوي نظمناه بالقاهرة في أكتوبر 2018. وكان الهاكاثون مساحة متاحة للمجموعات والأفراد، سمحت لهم بالعمل معًا للخروج بمنتج تقني قد يكون (تطبيقًا) أو (موقعًا) موجهًا للنساء، يهدف إلى خلق مساحات أأمن على الإنترنت، ومواجهة العنف الإلكتروني الذي تتعرض له النساء على الفضاء الإلكتروني، وأيضًا إطلاق مشروعات ذات مصدر مفتوح، آمنة، ومتاحة للنساء كافةً برخصة المشاع الإبداعي، ولا تستخدم البيانات بهدف الربح، أو دون موافقة المستخدمات. ساعد الهاكاثون أيضًا على استعادتنا كنساءٍ للإنترنت بصفته مساحةً للاكتشاف والمعرفة والمتعة والتواصل والتنظيم النسوي.
نشارك في هذه الإصدارة خمس مقالات، رأينا فيها بوصلةً لتصورنا النسوي عن الإنترنت، ونقدًا للإشكاليات الحالية. قرأنا تلك المقالات بلغتها الأصلية (اللغة الإنجليزية) ونقدمها لكم باللغة العربية. تركز المقالة الأولى على أثر بناء الحركات النسوية، فيما تعرض المقالة الثانية مبادرة نسوية رقمية أفريقية تطعم الإنترنت بمحتوًى عاكس لهوية المبادرة والنساء بها، أما المقالة الثالثة فتلفت انتباهنا إلى كيف تشي بنا أجهزتنا، لأنها تحتوي على بياناتنا الشخصية، ولأننا معرضون دائمًا لخطر سيطرة جهةٍ ما على تلك البيانات دون علمنا، أو إذن منا. بينما تُبرز المقالة الرابعة الإشكالية وراء أهمية محرك بحث «جوجل»، وكيف تُعزز محركات البحث الأشكال الحالية والتاريخية من اللا مساواة، وتستكشف المقالة الخامسة احتياجنا إلى خلق إنترنت نسوي يدعم الحركات المثابرة والقوية، ويشكل ساحة ومساحة لنشاطنا النسوي.
لكن هل نحن بالفعل مؤثرات؟ كما تتساءل سرلاثا باتليوالا في مقالتها «بناء حركاتنا النسوية: أثر التقنيات الرقمية». نحن بحاجة إلى التساؤل المستمر حول قدرتنا على بناء الحركة! لكن كيف نقيس أثرها؟ وهل إتاحة محتوى معرفي باللغة العربية، في مساحة تهيمن عليها لغات أخرى، كافٍ لمواجهة التهميش والعنف الإلكتروني اللذين تتعرض لهما النساء، ويهددان وجودهن على الفضاء الإلكتروني؟
نحاول في مجموعة اختيار خلق مساحة مفتوحة ومتنوعة نعمل فيها على ترجمة المصطلحات والمفهومات المختلفة، ونلجأ أحيانًا إلى التعريب لأن الترجمة الحرفية وحدها ليست كافية لنقل السياق المحلي. استعنا بأكثر من مترجمة، وأعدنا ترجمة المقالات بشكل تشاركي داخل المجموعة لتقريب المحتوى إلى سياقاتنا ولغتنا. التعريب هنا في حد ذاته فعل سياسي لا يقتصر فقط على نقل المعنى الحرفي لبعض المصطلحات والمفهومات من لغةٍ لأخرى، بل لبناء محتوى معرفي جديد وأصيل باللغة العربية.
نسعى بصفة أساسية في تلك المحاولات المستمرة إلى خلق جسر بين الحركة النسوية وحركة المدافعين/ات عن الحقوق الرقمية، بهدف بناء حركة نسوية في عصر رقمي لا نميز فيه المساحة الأونلاين من الأوفلاين، وتسيطر عليه تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وتعيد إنتاج أوجه عدم المساواة من نواحٍ مختلفة، منها القطاعات التاريخية واللغوية والجيوسياسية والاقتصادية والعرقية وغيرها من المحاور المتداخلة المتعلقة بالامتيازات والقوة.
وكما أشارت روشيل جونز في مقالتها، «صناعة الإنترنت النسوي»، «فإن الحركة تبدأ بمجموعة من الأشخاص الذين يتشاركون الظلم، أو التمييز، أو الوصم، أو أي شيء يشعرهم بالإقصاء، أو ربما يجمعهم اهتمام مشترك، ويريدون إحداث تغيير ما، ومستعدون للعمل معًا لتحقيقه. ومن ثم يجتمعون لكسر عزلة تجربة الظلم، ويبنون معًا القوة التعاونية القادرة على التغيير».
نأمل إلى تعزيز إدراكنا النسوي بتسليط الضوء على تجارب بعض المجموعات والأفراد في سياقات مختلفة من أمريكا اللاتينية وأفريقيا وغيرها، وكذلك إدراكنا لحقيقة أننا نتشارك هذه التجارب، لأنها تجارب ترسخت في أنظمة أبوية تسمح بحدوث العنف بصورة مكثفة سواء في الفضاء الإلكتروني، أو على الأرض، وكذلك تشاركنا لموقعيتنا في الجنوب العالمي.
هنالك احتياج حقيقي إلى وجود إنترنت نسوي في ظل الظروف التي يكون فيها التنظيم علي الأرض خطرًا أو غير ممكن، ونحن هنا -بنقلنا هذه الكلمات إلى اللغة العربية- نعلي صوتنا في وجه القهر والعنف الممارس ضدنا على يد شركات أو مستخدمين آخرين، سواء كان هذا العنف بهدف بيع بياناتنا واختراق خصوصيتنا، أو استخدام بياناتنا ضدنا لتهميش هوياتنا ووجودنا وجنسانياتنا، وتصميت تعبيرنا عنها. نتيح معرفة نسوية تسمح لنا بأن نقاوم، وأن نجد طريقنا لاحتلال المساحات.