31-03-2020
بمرور 25 عامًا على المؤتمر الدولي للسكان والتنمية الذي أقيم في القاهرة في سبتمبر 1994، ومع إقامة قمة نيروبي، في الفترة ما بين 12-14 نوفمبر 2019 لمراجعة وبحث كيفية تحقيق مخرجات عمل مؤتمر القاهرة 94 بشكل كامل. ننبش في الذاكرة المكتوبة ونحاول زيارة المحطات التاريخية الفارقة التي أسهمت في تشكيل لحظة مؤتمر القاهرة 94، والتي تُعد لحظةً مهمة في تاريخ حركة الحقوق والصحة الجنسية والإنجابية على المستويين، العالمي والمحلي.
ما حُقِق في القاهرة 94 لم يكن وليد اللحظة، بل كان نتيجة لتاريخ طويل من سياسات سكانية محلية ودولية ترمي عبء الفقر على الفقراء، وترى أجساد النساء -خاصةً أولئك اللاتي يقعن في مواقع أكثر تهميشًا- كوسيلة لتحقيق أهدافها. فسواء كان التعقيم القسري للنساء الملونات في الولايات المتحدة الأمريكية، أو برامج تنظيم الأسرة التي فرضتها الجهات الدولية المانحة على دول العالم الثالث، وكانت غطاءً لانتهاكاتٍ عديدة بحق نساء العالم الثالث، يظل الهدف واضحًا: رسم وتخطيط المجتمعات بالطريقة التي تخدم مصالح بعينها، وتبقي على امتيازات دول الشمال والطبقات الحاكمة الوطنية في الجنوب العالمي. لم تقف النسويات الملونات أو نسويات الجنوب العالمي مكتوفات الأيدي، بل استطعن تشكيل حركة مبنية على خطاب نسوي تقاطعي، يكشف زيف «المبادئ» التي تتلون بها السياسات السكانية، وينتقد خطاب النسويات الليبراليات اللاتي تعميهن امتيازاتهن عن الانتهاكات المرتكبة بحق نساء أخريات أقل امتيازًا. تمكنت النسويات الملونات في الشمال العالمي ونسويات الجنوب العالمي من طرح موقف نقدي من مبدأ «الحق في الاختيار»، الذي كان مهيمنًا على حركة الحقوق الإنجابية المطالبة بتقنين الإجهاض في الولايات المتحدة الأمريكية، بتفكيكهن للظروف التي يُمارس «الاختيار» فيها، مشيرات إلى الطبقة والعرق والسياسات الاقتصادية والعوامل الثقافية بصفتها عوامل تضع حدودًا للاختيارات المُتاحة أمام النساء.
في هذا الإطار، يحاول هذا البحث رصد الدور الذي لعبته النسويات الملونات ونسويات الجنوب العالمي والنسويات المصريات في اشتباكهن مع السياسات السكانية التي تفرضها الدول والهيئات الدولية، وكيف أسهم وجودهن في الكشف عن طبقيتها وأبويتها وعنصريتها، وفي إعادة توجيه المساحات الدولية لتكون مساحة لفرض أجنداتهن عبر التفاوض، وذلك بهدف إعادة توجيه الموارد لإشباع احتياجات النساء الأقل امتيازًا في ما يتعلق بحقوقهن وصحتهن الإنجابية والجنسية. ويتخذ البحث مؤتمر القاهرة 94 كنقطة تاريخية نستطيع من خلالها رسم الخطوط العريضة للقوى الدولية والمحلية التي تشكل سياسات تؤثر في حيواتنا اليومية وترسم الأطر التي باستطاعتنا الحركة فيها. فيما يحاول البحث رصد جزء من تاريخ السياسات السكانية في مصر وارتباطها بالأوضاع السياسية وبتوجهات الدولة المصرية في الحقب التاريخية المختلفة، وكيف أثرت هذه التغيرات في أوضاع النساء المصريات، التي تسهم الطبقة التي ينتمين إليها في تشكيل جزء كبير من واقعهن كنساء، ورؤية الطريقة التي اشتبكت بها النسويات المصريات في «الموجات» النسوية المختلفة مع السياسات السكانية، وكيف تمكنت قوة مناهضة الختان في مصر من ترك أثر في حيوات النساء من خلال التنظيم، والانتشار، وتشكيل خطاب يحاول أن يفهم توازنات القوى المرتبطة بختان الإناث بصفته ممارسة اجتماعية مُطبعة ومقبولة.