حِيْنَ يكون القلب الوَحْدانِيّ قلبٌ كويريٌ وحسب PDF
كتابة : نور كامل
ترجمة : سماح جعفر
جاحدة، تكتب وتحرر أشياء. تم اختيارها للقائمة القصيرة لجائزة جامعة برونل للشعر الأفريقي في ٢٠٢٠، ونشر لها ديوان شعر (نون) ضمن سلسلة الشعراء الأفارقة الصاعدين (سيتا).
عزيزتي سو،
لا يمكن أن يموت
المحْب
لأن الحب أبدي
لا بل ربوبي
إيميلي. 1
***
لُحْمَتي مع إيميلي ديكنسون تمتد لشعرها ولها كشاعرة فقط. لم أشعر قط بلُحْمَة مع إيميلي ديكنسون نفسها؛ فقد أخبروني بأن أشفق عليها. أخبروني: ها هنا امرأة لم يفهمها أحد، امرأة لم ترد أن يفهمها الناس، أغلقت نفسها عن العالم، لم تُحِبّ أو تُحَبّ أبدًا، وكانت تواقة فقط للموت. خَيَال قوطي رومانسي لاستبدال أي شخص يُسَمح لإيميلي بأن تكونه. حين فكرت في إيميلي، فكرت في مُتَوَحّدة مُنعزلة، بائِسة، فرضت عزلة على ذاتها، شغفت بعمق، لكنها انتظرت الموت عوضًا عن الحياة. كان العالم مُفْرِطًا. رفض العالم تضمين كل أجزاءها التي لم يعتمدها. أغلقت ذاتها لتحفظها. عندما ماتت، أخذوها على أي حال.
***
هذه رسالتي للعالم
الذي لم يكتب لي قط 2
***
أعيش بمصر، البعيدة جغرافيًا عن المكان الذي عاشت وماتت فيه إيميلي. في مدرسة ثانوية بريطانية وجامعة بريطانية، درسني آخرون عن تاريخها، شعرها، ثقافتها وكلماتها. لاحقًا، تعرفت عليها وحدي عبر شبكة معلومات افتراضية مَحْدُودة، رغم قدرتها على التوصيل وتبادل المعرفة لأنني لم أُمنح قط أجزاء كاملة من قصتها. على الأغلب، لن أرى أو أضع بين يدي أي شيء يخصها ماديًا؛ قصائدها، رسائلها وأوراقها المتبقية. أي شيء يخص إيميليٌ بحق. لن يكون لديّ سوى أشياء شكّلها وأعاد كتابتها آخرون، اِسْتُفرغت نحوي من خلالهم أولًا.
***
أن اقتني سوزان لي
هي غِبْطَة بحد ذاتها
أَيًا كان المَلَكُوت الذي ضيعته يا إلهي
ابق عليَّ في هذا! 3
***
خلال “ليالٍ جنونية مع إيميلي” – مسرحية حولت لفيلم بواسطة مادلين أولنك – وعديد المقالات التي نتجت بعده، اكتشفت أن كل ما أخبروني به عن إيميلي خاطئ. كان لإيميلي قصة حب طويلة وموثقة جيدًا (تم محوها فيما بَعْد) مع صديقة طفولتها وزوجة شقيقها مستقبلًا سوزان غيلبرت. مزقت أولنك المرأة المثلية، عبر الإطار المغاير الذي حاصر إيميلي لفترة طويلة ونَقّح سوزان بالكامل. أظهر الفيلم إيميلي إنسانية جدًا، قريبة وكويرية. لم تكن الخيال الرومانسي التراجيدي لأي كان، سوى أولئك الذين قرروا جعلها كذلك لتبدو مستساغة. لم تكن علاقتها مع سوزان مخبُوءة قط، بل متجاهلة.
***
صدرها مُلاَئِم للؤلؤ،
لكنني لست “غَطّاسة”
جَبِينها مُلاَئِم للعروش
لكنني لست في القِمّة،
قلبها مُلاَئِم للمنزل
أنا – دُورِيّ – بنيته هناك
بحلو الأغصان والخيوط
عٌشي الدائِم. 4
***
وعلى عكس ما علموني، فإن كل شوقها وطاقتها وحبها، لم تكن موجهة جُمْلَةً بطريقة مغايرة. لِعْبها مع النوع الاجتماعي، لِعْبها مع البنْيَة، تأثيرها على الحداثيين وما سيصبح أسلوب تيار الوعي، كانت كلها أشياء أشعرتني بلُحْمَتي معاها في كتاباتها، ومع ذلك شعرت ببعدي عن حياتها الحقيقية. شعرت بالخيانة والتضليل من الأكاديميين والعالم الأدبي (الذي يحكمه البيض) والذي قرر أن يصورها كمُتَوَحّدة غير محبوبة لم تتزوج أبدًا، وبالتالي لم تحب أبدًا، ولم تعش إمكاناتها الكاملة كـ “امرأة” في عالم مغاير. ولكن مثل سافو، لم تكن قصائد إيميلي موجهة نحو جنس بعينه قط، كانت تكتب دائمًا لمن تحبه وتشتاق إليه أَيًّا كانَ. معظم الوقت كانت تكتب لسوزان.
***
أن أشتاق إليكِ يا سو،
قوة. 5
***
حرر شعر إيميلي بشدّة بعد موتها، ورسائل حبها الموجهة لنساء حُرِّفَت لتبدو وكأنها موجهة لرجال، أو تم محوها بالكامل. معظم أشعارها نُشرت بعد موتها لأن لا أحد كان سينشر لها وهي حية. لم تتناسب كتابتها فِعْلًا مع أسلوب تلك الأوقات، ولم تنحني لأهواء الرجال الذين قرروا ما يستحق وما لا يستحق النشر. حدث هذا لفنانات عظيمات عدة مَرّاتٍ عبر التاريخ. العديدات منهن اضطررن لعيش حيواتٍ توقعها الآخرون منهن، ولم يُعترف بفنهن وحياتهن الحقيقية بالكامل! أُخذت كلماتهن، أو مُحيت، أو غُيّرت لتناسب القوالب والتوقعات المجتمعية، حتى يستفيد منها آخرون فحسب؟
مابل لوميس تود – أول محررة جمعت ونشرت قصائد إيميلي
محت أغلب ما يتعلق بسوزان بقدر ما استطاعت
سوزان المتزوجة من أوستن ديكنسون
أوستن الذي كان حبيب مابل، والذي أحبته مابل كثيرًا
عزلة إيميلي التي رفضت رؤية مابل قط
الإيميلي التي أحبت سوزان.
ليالٍ جُنُونِيّة
وتاريخ مدفون
لنساء أحببن نساء
ولم يمزقن بعضهن
كل شيء بَرّاق
صار طَيّ الكِتْمان.
تلك التي لديها حبيبة
حبيبة امرأة تحبها
لا يمكن إخفاؤها للأبد
أو جعلها واقعة في “حُب” أي رجل
كتبت له الرسائل.
***
أمعنُ في احتمالية
منزل أعدل من نثر
وافر بالنوافذ
مُتَفوق – على الأبواب 6
***
كانت إيميلي كويرية، بكل معنى تاريخي للكلمة. كانت الأساطير حولها أنها أُسيء فهمها – وقد كان كل ذلك مخططًا له، لكنه لم يكن إيميلي. لقد رغبت في أن تُعَرَف وتُفَهَم، أرادت لكلماتها أن تُنَشَر وتُقَرَأ. جعلت مابل لوميس تود – بصفتها محررتها وناشرتها بعد وفاتها – إيميلي صالحةً للنشر عبر إزَالَة كل أثر لكويريتها، بِذاكَ جعلتها مَجْهُولة، أُحْجِيّة خلال العملية.
الموتى لا يخشون شيئًا. ولا إيميلي الحية أيضًا. فقد بعثت كلماتها واشتاقت للنشر كأي كاتبة. لم يرد أحد كلماتها “الكويرية”، أسلوبها غير المَسْجُوع، واسمها المجنسن.
***
أين احترام الموتى؟
لمَ الآن – بعد أكثر من مئة وثلاثين
سنة منذ أن وجدت –
وكتبت الكلمات – لمَ
عادت للأضواء – للوعي
للشِعْرِيَّة الكويرية
وسُمح لها – أن تكون شِعْرِيَّة كويرية؟
حتى القرن الواحد والعشرين تقريبًا
قبل أن ترى امرأة امرأة أخرى بالكامل
وتُخبرنا أنها أحبت – امرأة؟
أعتقد – أن جميعنا نعرف لمَ.
لأجل النساء اللواتي مُحين، النساء اللواتي تم تجاهلهن
ولأجل النساء اللواتي يحببن نساء
ويدعنّ إيميلي تحبهن – أيضًا –
أمام العالم كله.
لا أحد سيعرفها قط.
من الأفضل أن نصنع أسطورة – بالتأكيد
من شاعرة مُخرَسةٌ وصامتة؟
لنخلق من كلماتها سردية المرأة
منبوذة الحب – المشتاقة للحب ، الذي لن تحققه أبدًا؟
التي – قطعت كلماتها – جُمعت مجددًا
وقدمت لدعم هذا؟
***
يُعد النجاح أحلى
لأولئك الذين لم ينجحوا.
لأن استيعاب الرحيق
يتطلب أشد الحاجة. 7
***
عرف المؤرخون. أنه شيء
– على ما يبدو – يصعب تفويته
إلا لو كنت لا تبحث عنه حقًا –
إلا لو كنت عاجزًا عن تخيل أي شيء بَرّانِيّ
ما الذي أردته من إيميلي – أن تكون حياتها
مثل أسرتها – مثل موثقيها المهووسين
وأولئك الذين يقعون في حب مغاير –
مع فتاة ميتة كتبت كلمات عن اشتياق الحب –
الذي ملكتهُ دائمًا. لكن ليس بطريقة
تمكنها هي أو سو –
من أن تكونا – معًا.
***
قل الحقيقة كلها ولكن قلها مائلة –
نجاح الجَوْلَة يكمن
بَهِيجًا جدًا لأجل فرحتنا العاجزة
لابد أن تخفف مفاجأة الحقيقة البَدِيعة
كما يخفف البَرْق للأطفال
ببعض الشرح
على الحقيقة أن تضيء تدريجيًا
أو سيصير جميع الرجال عميانًا – 8
***
الموت ، الأسطورة – والخلود.
كيف تريد لنا أن نتذكرها؟
لا أحد يتوقع المحو، لكنه واقع
هدية من الموت. الخْزي التالي للموت
ظاهرة غير مُعللة، ولا
تبدو هيئتها بذات الحال أبدًا.
***
لأنني لا أستطيع التوقف لأجل الموت
فقد توقف لأجلي بكياسة
لم تحمل العربة سوانا
والأبَد 9
***
صار نقص الحب – رغم وجود الحب بعدة أشكال هناك – اسمها المستعار، بطاقة تعريفها. أَفَلَت ملكة القلوب الوَحْدانية من نقص الحب. أصبحت إلهة الحب المر كالعلقم، بفعل تجاهلها وفقدانها وعدم حبها لعِلّة في شكل مجتمعنا. لم تكن إيميلي محرومة على الإطلاق. احتاجت إيميلي لتغيير شكل المجتمع لنفسها. رأى المجتمع والمحيطون بها أن ذلك تَحْقِير، تحديدًا أنثوي. من يستطيع أن يعيد تشكيل المجتمع وحده؟
***
أرني الأبَدِيّة، وسأريك ذِكْرَى
كلاهما بحزمةٍ واحدة
رفعت مرة أخرى
كوني سو – بينما أنا إيميلي –
كوني بعدها — ما كنته دومًا — اللا متناه. 10
***
لقد استرددتُ إيميلي كشيء يخصني. لو لم تخبأ الأجزاء المتسقة بين حياتها وحياتي لوقت طويل، أكنت سأقرأها بعمق أكثر؟ أمنحها المزيد من وقتي؟ سأمنحها الآن – لقد منحت كلماتها وزنًا أكبر وسعيت إليها، عطشة لما قد قرأته على أنه كويري فيها، وأخبروني بأن ذلك غير ممكن على الإطلاق.
أُخبِرتُ بأنها ليست مفهومة تمامًا وأن بعضنا يجب ألا يحاول قط. لكننا ثابَرنا، تَنَقّلنا، تظاهرنا بمئة هيئة والتزمنا بتَيَقّننا – بأننا كنا موجودات دومًا. بعضنا لن تتوقف مطلقًا عن البحث عن ذواتنا في التاريخ، لأننا نكون هناك في كثير من الأحيان – نحملق في ذواتنا، قَوْمنا، عَشِيرَتنا. أسلاف وأَعْقاب نجون رغم كل شيء، عشن حياتهن بكليتها، كما نحاول أن نجد طرقًا لعيش حياتنا الآن.
***
لقد اعْتَزَمت أن
أكتب لك إيميلي اليوم
لكن الطُمَأْنينَة لم تكن إلى جانبي
لذا أرسل لك هذا ، لئلا يبدو وكأنني
رفضت قبلة –
لو أنك عانيت خلال الصيف الماضي
أنا آسفة لأني
إيميلي تَكَبّدت تَحَرّقًا
لم أكشفه قط – – إذا تمكن
بلبلٌ من الغناء وصدره قبالة
شوكة ، لمَ لا نفعل المثل
سَوْفَ أكتب حين أستطيع
سو 11